فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ}.
أي لِيَكُنْ إعلامٌ من الله ورسوله للناس بنقض عهدهم، وإِعلانٌ عنهم بأنهم ما انقطعوا عن مألوفهم من الإهمال ومعهودهم، وقد برح الخفاء من اليوم بأنهم ليس لهم ولاءٌ، ولم يكن منهم بما عقدوا وفاءٌ، فَلْيَعْلَمْ الكافةُ أنهم أعداءٌ، وأنشدوا:
أشاعوا لنا في الحيِّ أشنعَ قصةٍ ** وكانوا لنا سِلْمًا فصاروا لنا حربا

قوله جلّ ذكره: {أَنَّ اللهَ بَرِئٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ}.
مَنْ رأى من الأغيار- شظيةً من الآثار، ولم يَرَ حصولَهَا بتصريفِ الأقدار فقد أشرك- في التحقيق- واستوجب هذه البراءة.
ومَنْ لاَحَظَ الخلْق تَصَنُّعًا، أو طالَعَ نَفْسَه إعجابًا فقد جعل ما للهِ لغير الله، وظنَّ ما لله لغير الله، فهو على خطرٍ من الشِّرْكِ بالله.
قوله جلّ ذكره: {فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أليمٍ}.
إنْ عادوا إلى البابِ لم يقطعْ رجاءهم، ومدَّ إلى حدِّ وضوحِ العُذْرِ إرجاءَهم. وبيَّن أنهم إِنْ أَصَرُّوا على عُتُوِّهم فإلى ما لا يُطِيقون من العذاب مِنْقَلبهُم، وفي النار مثواهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (4):

قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أعلمهم بالبراءة وبالوقت الذي يؤذن بها فيه، وكان معنى البراءة منهم أنه لا عهد لهم، استثنى بعض المعاهدين فقال: {إلا الذين عاهدتم} أي أوقعتم بينكم وبينهم عهدًا {من المشركين ثم} أي بعد طول المدة اتصفوا بأنهم {لم ينقصوكم شيئًا} أي من الأمارات الدالة على الوفاء في أنفسهم كما نقض بنو الديل من بني بكر في قتالهم لخزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم {ولم يظاهروا} أي يعاونوا معاونة تظهر {عليكم أحدًا} أي من أعدائكم كما ظاهرت قريش حلفاءهم من بني الدليل على حلفائكم من خزاعة {فأتموا} واشار إلى بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال: {إليهم عهدهم إلى مدتهم} أي وإن طالت؛ قال البغوي: وهم بنو ضمرة حي من كنانة، وكان قد بقي من عهدهم تسعة أشهر، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا؛ وقال النحاس: ويقال: إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة؛ وقال أبو محمد البستي: حدثنا قتيبة قال: ثنا الحجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال: كان بين بني مدلج وخزاعة عهد، وهم الذين قال الله: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}.
ولما كانت محافظتهم على عهدهم من أفراد التقوى، وكان الأمر بالإحسان إلى شخص من أفعال المحب، قال تعالى معللًا: {إن الله} أي الذي له صفات الكمال {يحب المتقين} أي يفعل بهم وبكم افعال المحب، فهو قول حاث للكل على التقوى، وكل ينزله على ما يفهم، فهو من الإعجاز الباهر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا}
هذا الاستثناء إلى أي شيء عاد؟ فيه وجهان: الأول: قال الزجاج: إنه عائد إلى قوله: {بَرَاءةٌ} والتقدير {بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد.
والثاني: قال صاحب الكشاف، وجهه أن يكون مستثنى من قوله: {فَسِيحُواْ في الأرض} لأن الكلام خطاب للمسلمين، والتقدير: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم.
واعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين: أحدهما: قوله: {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ} والثاني: قوله: {وَلَمْ يظاهروا عَلَيْكُمْ أَحَدًا} والأقرب أن يكون المراد من الأول أن يقدموا على المحاربة بأنفسهم، ومن الثاني: أن يهيجوا أقوامًا آخرين وينصروهم ويرغبوهم في الحرب.
ثم قال: {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} والمعنى أن الذين ما غادروا من هذين الوجهين، فأتموا إليهم عهدهم، ولا تجعلوا الوافين كالغادرين.
وقوله: {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} أي أدوه إليهم تامًا كاملًا.
قال ابن عباس: بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} يعني أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلتين أو يكون المراد أن هذه الطائفة لما أنفوا النكث ونقض العهد، استحقوا من الله أن يصان عهدهم أيضًا عن النقض والنكث.
روى أنه عدت بنو بكر على بن خزاعة في حال غيبة رسول الله وظاهرتهم قريش بالسلاح، حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله فأنشده:
لا هم إني ناشد محمدا ** حلف أبينا وأبيك الأتلدا

إن قريشًا أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ذمامك المؤكدا

هم بيتونا بالحطيم هجدا ** وقتلونا ركعًا وسجدا

فقال عليه الصلاة والسلام: «لا نصرت إن لم أنصركم» وقرئ {لَمْ} بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم. اهـ.

.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مَنْ خَاسَ بِعَهْدِهِ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِي نَقْضِ عَهْدِ مَنْ خَاسَ، وَأَمَرَ بِالْوَفَاءِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَى عَهْدِهِ إلَى مُدَّتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
الْمَعْنَى: كَيْفَ يَبْقَى لَهُمْ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَهُمْ قَدْ نَقَضُوهُ؛ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ قُرَيْشٌ الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ أَمَرَ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ؛ وَهَذَا وَهْمٌ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ كَانَ عَهْدُهَا مَنْقُوضًا مِنْهُمْ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ الْفَتْحُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ عَاهَدَ مِنْ الْعَرَبِ كَخُزَاعَةَ وَبَنِي مُدْلِجٍ، فلابد مِنْ أَنْ يُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. اهـ.

.قال السمرقندي:

ثم استثنى الذين لم ينقضوا العهد فقال: {إِلاَّ الذين عاهدتم مّنَ المشركين}، وهم بنو كنانة وبنو ضمرة؛ {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا} من عهودكم، {وَلَمْ يظاهروا عَلَيْكُمْ أَحَدًا}؛ يقول: ولم يعاونوا عليكم أحدًا {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ}، يعني: إلى إتمام أجلهم.
{إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} الذين يتقون نقض العهد. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم}.
وهو استثناء من قوله: {براءة من الله ورسوله} إلى الناس إلا من الذين عاهدتم {مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا} من عهدكم الذي عاهدتموهم عليه {وَلَمْ يُظَاهِرُواْ} يعاونوا {عَلَيْكُمْ أَحَدًا} من عدوكم بأنفسهم ولا بسلاح ولا بخيل ولا برجال ولا مال.
وقرأ عطاء بن يسار {ثم لم ينقضوكم} بالضاد المعجمة من نقض العهد، وقرأ العامة بالصاد.
قوله: {فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} فأوفوا بعهدهم {إلى مُدَّتِهِمْ} أجلهم الذي عاهدتموهم عليه {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} وهم بنو ضمرة وكنانة وكان بقي لهم من مدتهم تسعة أشهر فأمر بإتمامها لهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
هذا هو الاستثناء الذي تقدم ذكره في المشركين الذين بقي من عهدهم تسعة أشهر وكانوا قد وفوا بالعهد على ما يجب، وقال قتادة: هم قريش الذين عوهدوا زمن الحديبية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مردود بإسلام قريش في الفتح قبل الأذان بهذا كله، وقال ابن عباس: قوله: {إلى مدتهم} إلى الأربعة الأشهر التي في الآية، وقرأ الجمهور {ينقصوكم} بالصاد غير منقوطة، وقرأ عطاء بن يسار وعكرمة وابن السميفع {ينقضوكم} بالضاد من النقض وهي متمكنة مع العهد ولكنها قلقة في تعديلها إلى الضمير، ويحسن ذلك أن النقض نقض وفاء وحق للمعاهد، وكذلك تعدى {أتموا} بـ {إلى} لما كان العهد في معنى ما يؤدى ويبرأ به وكأنهم يقتضون العهد، و{يظاهروا} معناه يعاونوا، والضمير المعين، وأصله من الظهر كان هذا يسند ظهره إلى الآخر والآخر كذلك وقوله: {إن الله يحب المتقين} تنبيه عكلى أن الوفاء بالعهد من التقوى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين}
قال أبو صالح عن ابن عباس: فلما قرأ علي (براءة)، قالت بنو ضمرة: ونحن مثلهم أيضًا؟ قال: لا، لأن الله تعالى قد استثناكم؛ ثم قرأ هذه الآية.
وقال مجاهد: هم قوم كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ومدة، فأُمر أن يفي لهم.
قال الزجاج: معنى الكلام: وقعت البراءة من المعاهدين الناقضين للعهود، إلا الذين عاهدتم ثم لم ينقضوكم، فليسوا داخلين في البراءة مالم ينقضوا العهد.
قال القاضي أبو يعلى: وفصل الخطاب في هذا الباب: أنه قد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين جميع المشركين عهد عامٌّ، وهو أن لا يُصدَّ أحدٌ عن البيت، ولا يُخافَ أحد في الشهر الحرام، فجعل الله عهدهم أربعة أشهر، وكان بينه وبين أقوام منهم عهود إلى آجال مسمَّاة، فأُمر بالوفاء لهم، وإتمام مدتهم إذا لم يُخش غدرهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين}
في موضع نصب بالاستثناء المتصل؛ المعنى: أن الله بريء من المشركين إلا من المعاهدين في مدة عهدهم.
وقيل: الاستثناء منقطع؛ أي أن الله بريء منهم ولكن الذين عاهدتم فثبتوا على العهد فأتمُّوا إليهم عهدهم.
وقوله: {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ} يدل على أنه كان من أهل العهد مَن خاسَ بعهده ومنهم من ثبت على الوفاء؛ فأذِن الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم في نقض عهد من خاس، وأمر بالوفاء لمن بقي على عهده إلى مدّته.
ومعنى {لَمْ يَنْقُصُوكُمْ} أي من شروط العهد شيئًا.
{وَلَمْ يُظَاهِرُواْ} لم يعاوِنوا.
وقرأ عِكرمة وعطاء بن يَسار {ثم لم ينقضوكم} بالضاد معجمة على حذف مضاف؛ التقدير ثم لم ينقضوا عهدهم.
يقال: إن هذا مخصوص يراد به بنو ضَمْرة خاصّةً.
ثم قال: {فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ} أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر. اهـ.